في إطار مساعي دول مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى حلحلة الأزمة اليمنية، تستعد العاصمة السعودية "الرياض" لاستضافة مؤتمر الحوار اليمني يوم 17 مايو الجاري، وذلك استجابةً لدعوة الرئيس اليمني الشرعي "عبدربه منصور هادي" ونائبة "خالد بحاح". وقد لاقت هذه الدعوة ترحيباً كذلك من جامعة الدول العربية، باعتبار مؤتمر الرياض السبيل الأمثل والمناسب لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع اليمن ومعالجة كافة جوانب الأزمة.
ونظراً لأهميتة، فمن المقرر أن يشارك في المؤتمر ممثلون عن منظمات إقليمية ودولية فاعلة في الأزمة اليمنية، وهم: مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى شخصيات دولية، حيث يعد المؤتمر فرصةً لتهيئة الأجواء للمبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، للاطلاع على مجمل التحديات التي تواجه مهمته في اليمن.
كما يستمد مؤتمر الرياض أهميته كونه يأتي في ظل محاولات روسية وإيرانية موازية لعقد حوار آخر بشأن الأزمة اليمنية في جنيف برعاية الأمم المتحدة. وبينما يستند حوار الرياض إلى رؤية دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية التي تقود العملية العسكرية في اليمن، فإن ثمة أطرافاً أخرى إقليمية ودولية قد تهيمن على حوار جنيف ووضع أجندته حال عقده، بما يستدعي تحركاً خليجياً عاجلاً وناجزاً لإنجاح مؤتمر الرياض ووضع تصور واضح للحل لدى الأمم المتحدة.
الأطراف اليمنية المشاركة في مؤتمر الرياض
ثمة تقديرات أولية بأن يشارك في مؤتمر الرياض حوالي 250 شخصية، وفقاً للشروط الموضوعة مسبقاً لمن يريد الحضور من الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية، ومن بين هذه الشروط: الاعتراف بالوحدة اليمنية والالتزام بها، والتأكيد على أمن واستقرار اليمن، والاعتراف بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي. كما أن ثمة آلية سيتناولها المؤتمر لتنفيذ مخرجات الحوار الوطنى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة باليمن، خصوصاً القرار رقم 2216 الذي فرض حظر توريد السلاح للحوثيين.
وقد أكد عدد من المسؤولين اليمنيين القريبين من عملية الإعداد والتحضير لمؤتمر الرياض، مشاركة جميع الأطراف اليمنية ما عدا "الحوثيين" والرئيس السابق "علي عبدالله صالح". وهناك جهد كبير لإقناع القبائل المختلفة بالتخلي عن "صالح" و"الحوثيين"، والانضمام إلى الشرعية، وحضور المؤتمر.
وتلوح في الأفق مؤشرات على مشاركة قيادات بارزة من "حزب المؤتمر الشعبي العام"، حيث يجري في الوقت الحاضر وقُبيل انعقاد المؤتمر التنسيق لعقد لقاء في القاهرة لاتخاذ موقف من التطورات السياسية ومن زعامة "صالح" للحزب. وقد استغل قيادات "حزب المؤتمر" الظهور العلني للرئيس السابق بعد تدمير دول التحالف لمنزله في العاصمة صنعاء وإعلانه صراحة التحالف مع "الحوثيين"، وأكدوا مطالبتهم بإقالة "صالح" من زعامة الحزب. وشدد "أحمد عبيد بن دغر" - نائب حزب المؤتمر الشعبى العام اليمني - على أن أي مناقشات مستقبلية فى الأزمة اليمنية لا تخرج عن ثلاثة أطر، وهي: (المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216).
ويشارك من القيادات الجنوبية "حيدر أبوبكر العطاس"، بالإضافة إلى قيادات أخرى. فيما أعلنت قيادات جنوبية، في مقدمتهم "على سالم البيض" امتناعهم عن المشاركة في حوار الرياض. وغالباً ما تدعو القوى الجنوبية إلى حوار هدفه فقط تحديد العلاقة بين الشمال والجنوب عبر تسوية سياسية تؤدي إلى منح الجنوبيين حقهم في تقرير مصيرهم.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القيادي في الحراك الجنوبي "محمد علي أحمد"، ومعه الرئيس اليمني الأسبق "علي ناصر محمد"، كانا قد قدما مبادرة للخروج من الأزمة الحالية؛ حيث ينسحب بموجبها وحدات الجيش والميليشيات المسلحة المتحالفة معها (الحوثيون والقوات الموالية لصالح) من محافظة عدن ومن جميع المحافظات، وتسليم المحافظات لقيادات عسكرية وأمنية من أبنائها، والشروع في إنشاء قوة عسكرية وأمنية لحماية المواطنين، وعودة كل القوى السياسية اليمنية بدون استثناء وبدون شروط إلى حوار وطني شامل تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأن تكون القضية الجنوبية أساساً للمناقشة في أي حوار للتوصل إلى حل عادل يرتضيه شعب الجنوب ضمن حقه في تقرير مصيره، ولكن هذه المبادرة لم يلتفت اليها أحد من القوى السياسية.
ومما لا شك فيه أن مشاركة معظم المكونات والأطراف السياسية الفاعلة وممثلي القبائل والشخصيات المستقلة – سواء المؤيدة أو حتى المعارضة للرئيس هادي - وحضورها مؤتمر الرياض، ستكون مؤشراً هاماً على نجاحه، لأن ذلك سيتيح التعاطي مع كافة المبادرات والآراء، ووضعها على طاولة الحوار.
أجندة مؤتمر الرياض
تتمثل أهداف ومرجعية مؤتمر الحوار اليمني بالرياض في المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الأخير. وتؤكد بعض الأطراف السياسية الرئيسية المدعوة للمشاركة في المؤتمر على أن الوثيقة الرئيسية التي ستقدم للمؤتمر، من المتوقع أن تتضمن اقتراح ثلاث مراحل كخارطة طريق لتجاوز الأزمة الحادة التي تمر بها اليمن؛ المرحلة الأولى: إسقاط الانقلاب الحوثي وعودة الشرعية المتمثلة في الرئيس "هادي"، والمرحلة الثانية: إعادة إعمار ما دمرته الحرب، والمرحلة الثالثة: استكمال المرحلة الانتقالية وبناء الدولة اليمنية.
ولا يُستبعد إعادة طرح موضوع ضم اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن، كونه مناسباً بعد أن استجابت المملكة العربية السعودية ودول الخليج لطلب الرئيس "هادي" لاستعادة ما سيطر عليه "الحوثيون" والتصدي لنفوذ إيران بالقوة، وقد يؤدي هذا الطرح إلى تفهم دول الخليج للمتطلبات الرئيسية لليمن الذي يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر، والبدء بعملية تأهيل اليمن وإشراكه في عضوية مجلس التعاون بعد انتهاء حالة الحرب وهزيمة "الحوثيين" و"صالح".
الهدنة والذهاب إلى المؤتمر
دخلت الهدنة الإنسانية التي أعلنتها المملكة العربية السعودية في اليمن حيز التنفيذ مساء يوم الثلاثاء 12 مايو 2015 وسط مخاوف من تقويضها، رغم ترحيب "الحوثيين" بها، حيث اتضح في الساعات الأولى من سريانها غياب آلية لتوزيع مواد الإغاثة، وعدم وجود فرق إغاثة مرافقة لها تضمن وصولها إلى مستحقيها، ناهيك عن صعوبة وصولها بالأساس إلى عدد من المدن المنكوبة في ظل سيطرة "الحوثيين" وأنصار "صالح" على الطرق الممتدة من ميناء الحديدة – المتوقع أن تتجه إليه سفن الإغانة - إلى عدد من المدن المتأثرة بالأحداث في الشمال والجنوب.
وكما هو معلن، فالهدنة محددة بخمسة أيام قابلة للتمديد في حال الالتزام بها من قبل "الحوثيين"، وتنتهي فترتها الأولى في اليوم الأول من عقد مؤتمر الحوار في الرياض. وقد اخترق الحوثيون الهدنة كي يظهروا أمام الرأي العام بأنهم من يسيطر على الأرض في اليمن، وربما لاعتقادهم أن ذلك قد يحسن من شروطهم التفاوضية في حال قراراهم بالمشاركة في مؤتمر الرياض رغم استبعاد مشاركتهم وفقاً لما جرى في الأيام القليلة الماضية.
ختاماً، يأتي مؤتمر الحوار اليمني في ظروف دقيقة تمر بها الأزمة اليمنية بعد انتهاء "عاصفة الحزم" وبدء عملية "إعادة الأمل"، والتي تهدف – إلى جانب دعم المسارين العسكري والسياسي – تقديم المساعدات الإنسانية وعمليات الإغاثة للشعب اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية كبيرة، فهناك نقص في الماء والغذاء والدواء، وهي من الأولويات الرئيسية التي يبحث عنها المواطن اليمني حالياً.
وتنتظر الأطراف المناوئة للشرعية اليمنية والمعارضة للرؤية الخليجية بشأن الأزمة – وهي الأطراف المتمثلة في الحوثيين وداعميها من الإيرانيين– إفشال مؤتمر الرياض، لكي تدعم من جانبها عقد حوار أممي حول الأزمة في جنيف يتبنى أجندة مختلفة، مع الترويج لمزاعم مفادها أن جماعة الحوثي حققت نصراً عسكرياً، وأنها طرف موجود وقوي ويملك قدرات عسكرية لم تدمر بعد، بما يشكل ضغوطاً على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بمسألة استمرار الضربات الجوية وجدواها ومدتها، ويقوي من موقف الحوثيين التفاوضي.